ليلة اتصلت فيها الأرض بالسماوات ..معجزة الإسراء والمعراج

يحتفل المسلمون في هذه الشهور المباركة بليلة السابعة والعشرين من شهر رجب بهذه الليلة العظيمة” الإسراء والمعراج” حيث كانت ليلة عظيمة اتصلت فيها الأرض بالسموات السبع وسدرة المنتهى، في رحلة رأى فيها النبي محمد عليه صلوات الله ورضوانه، من آيات الله الكبرى ما لم يره أحد من تشريف وتكريم، ما يؤكد على المكانة التي وصل إليها النبي الكريم.
ومعًا في هذا المقال سوف نستعرض تفاصيل هذه الليلة المباركة وأسبابها ولماذا سميت بالإسراء والمعراج ..
التوقيت
اختلف العلماء المسلمين حول توقيت ليلة الإسراء والمعراج، قيل أنها فى منتصف فترة الرسالة الإسلامية ما بين السنة الحادية عشرة إلى السنة الثانية عشرة من البعثة المحمدية، وقال بعض العلماء إنها كانت فى ليلة الاثنين الثانى عشر من ربيع الأول ولم تعين السنة، وقيل إنها كانت قبل الهجرة بسنة، فتكون فى ربيع الأول، ولم تعين الليلة، وقيل فى ليلة الـ 27 من شهر رجب قبل الهجرة بسنة، وهذا هو ارأى الراجح، وقيل قبل الهجرة بـ 16 شهراً، فتكون فى ذى القعدة، وقيل قبل الهجرة بثلاث سنين، وقيل بخمس، وقيل: بست، والذى عليه أئمة النقل أن الإسراء كان مرة واحدة بمكة بعد البعثة وقبل الهجرة.
و إن اختلفت الأقوال في تحديد توقيتها تبقى ليلة مباركة يؤمن بها المسلمون في الوقت الذي كذبه المنافقون ؛لأن عقولهم لم تستوعب هذه المعجزة.
جبر من الله للنبي الكريم
جاءت رحلة الإسراء والمعراج لتخرج النبى الكريم محمد، صلى الله عليه وسلم، من حاله الحزن التى تعرض لها بعد “عام الحزن” الذى توفيت فيه السيدة خديجة زوجته، وعمه أبو طالب واللذان كانا يدافعان عنه ويلهمانه الصبر على الدعوة وعلى أذى المشركين.
فقد ذهب الرسول الكريم إلى الطائف لعله يجد هناك أناسا يستمعون له ويؤمنون بالله، فما كان منهم إلا أن سلطوا عليه سفهاءهم والصبية الصغار ليقذفوه بالحجارة حتى أدموا قدميه الطاهرتين، فاحتمى ببستان هناك وأسند ظهره الشريف إلى شجرة منه، ورفع عيناه إلى السماء والدموع تسرى منها وقال دعاءه المشهور:
“اللهم إليك أشكو ضعف قوتى، وقلة حيلتى، وهوانى على الناس، أرحم الراحمين ، أنت أرحم الراحمين، إلى من تكلنى، إلى عدو يتجهمنى ، أو إلى قريب ملكته أمرى ، إن لم تكن غضبان على فلا أبالى، غير أن عافيتك أوسع لى، أعوذ بنور وجهك الذى أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن تنزل بى غضبك، أو تحل على سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك”.
رحلة الإسراء
رحلة أرضية تمت بقدرة الله لرسول الله من مكة إلى بيت المقدس، بينما كان رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، نائما فى مضجعه أتاه جبريل عليه السلام، فهمزه بقدمه، فجلس رسولنا الكريم فلم يرَ شيئا، ثم عاد إلى مضجعه، فأتاه مرةً ثانية فهمزه بقدمه، فجلس ولم يرَ شيئًا، ثم عاد مرة أخرى إلى مضجعه، فأتاه مرة ثالثة فهمزه بقدمه، وحينها قام رسول الله معه، وخرج به جبريل إلى باب المسجد، فإذا رسول الله يرى دابةً بيضاء بين البغل والحمار، وهى “البراق” فى فخذيها جناحان تحفّز بهما رجليه، ثمّ وضع جبريل يده فى منتهى طرف الرّسول فحمله عليه، وخرج معه.
ومضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بصحبة جبريل عليه السّلام حتى انتهى به المطاف إلى بيت المقدس، فوجد فيه الأنبياء إبراهيم وموسى وعيسى فى نفرٍ من الأنبياء، فسلم عليهم جميعا، وأمهم فى صلاته، ثم أُتى جبريل رسول الله بوعائين، فى أحدهما خمر، وفى الآخر لبن، قال: خذ، فأخذ الرسول الكريم إناء اللبن، وشرب منه، وترك إناء الخمر، فقال لهُ جبريل: هُديتَ للفطرة، وهديت أمتك يا محمد، وحُرمت عليكم الخمر.
رحلة المعراج
رحلة سماوية تمت بقدرة الله لرسول الله من بيت المقدس إلى السماوات العلا ثم إلى سدرة المنتهى ثم اللقاء بجبار السماوات والأرض سبحانه.
فجاء في كتب السيرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: “لما فرغت مما كان فى بيت المقدس، أتى بالمعراج، ولم أر شيئاً قط أحسن منه، فأصعدنى صاحبى جبريل فيه، حتى انتهى بى إلى باب من أبواب السماء يقال له باب الحفظة، عليه ملك من الملائكة، يقال له إسماعيل، تحت يديه 12 ألف ملكٍ، فاستفتح جبريل، قيل من هذا؟ قال: جبريل قيل: من معك؟ قال: محمد، قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل مرحباً به فنعم المجىء جاء، ففتح فلما خلصت فإذا فيها آدم، فقال: هذا أبوك آدم فسلِّم عليه، فسلمت عليه فرد السلام، ثم قال: مرحباً بالنبى الصالح والابن الصالح”.
ماذا رأى الرسول الكريم في السموات السبع؟
اطلع النبي على أهل الجنة واطلع على أهل النار ، اطلع على أهل الجنة فرأى رجالا يزرعون يوما ويحصدون يوما كلما حصدوا عاد الزرع كما كان قال: من هؤلاء يا جبريل؟ قال هؤلاء المجاهدون في سبيل الله يخلف الله عليهم ما أنفقوا.
وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ[سبأ:39]. و رأى النبي رجالا وأقواما ترضخ رؤوسهم بالحجارة قال: من هؤلاء يا جبريل؟ قال : هؤلاء الذين تتثاقل رؤوسهم عن الصلاة، ورأى النبي أقواما يسرحون كما تسرح الأنعام طعامهم الضريح (نبت ذو شوك) قال : من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين لا يؤدون زكاة أموالهم، ورأى النبي رجالا يأكلون لحما نتنا خبيثا وبين أيديهم اللحم الطيب النضج قال: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء رجال من أمتك تكون عند أحدهم المرأة بالحلال فيدعها ويبيت عند امرأة خبيثة حتى يصبح. ورأى النبي نساءا معلقات من أثدائهن قال: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء اللواتي يدخلن على أزواجهن من ليس من أولادهن.
الدروس المستفادة من حادثة الإسراء والمعراج
كتب فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي في هذه الحادثة ” الإسراء والمعراج” :
- أنها درس في النبوات ، صلاة النبي بالأنبياء إماما له دلالتان، هي وحدة الأنبياء في دعوتهم فالكل جاء بالتوحيد الخالص من عند الله، الأنبياء إخوة ودينهم واحد:
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25]. والدلالة الثانية أن صلاة النبي بالأنبياء إماما لها دليل ولها دلالة أن النبوة والرسالة قد انقطعت فلا نبوة بعد رسول الله ولا رسالة:
مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَٰكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ[الأحزاب:40].
- درس للدعاة إلى الله عاد النبي من رحلته أراد أن يخرج للناس حتى يبلغهم فتشبثت به أم هانيء بنت أبي طالب تقول له: يا رسول الله إني أخشى أن يكذبك قومك فقال : (والله لأحدثنهموه)أي (سأخبرهم وإن كذبوني) درس للدعاة إلى الله أن يبلغوا أمانة الله رضي الناس أم غضبوا ، رسول الله يقول: (ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه واسخط عليه الناس).
- درس في بناء الرجال والرجال لا يمكن بناؤهم إلا من خلال المواقف عندما تحدث النبي بأمر الإسراء والمعراج طفق القوم بين مصفق وبين واضع يده على رأسه تعجبا يقول ابن كثير: وارتد ناس ممن آمن بالنبي عليه الصلاة والسلام،
كما أفرزت هذه الحادثة رجالا كأبي بكر الصديق : (جاءته قريش يقولون له انظر ما قاله صاحبك إنه يدعي أنه أتى في بيت المقدس وعاد في ليلة ونحن نضرب إليه أكباد الإبل شهرا ذهابا وشهرا إيابا فقال أبو بكر: وهو قال ذلك، قالوا نعم ، قال: إن كان قد قال فقد صدق إيمان ثابت إيمان لا تعبث به الدنيا ولا تزلزله الجبال إيمان قد استقام على حقيقة منهج الله.
- درس في معية الله لأنبيائه وأوليائه طلبت قريش من النبي أن يصف لها بيت المقدس ورسول الله قد جاءه ليلا ولم يكن قد رآه من قبل يقول : (فأصابني كرب لم أصب بمثله قط)، أي أن الأمر سيفضح أي النبي سوف يتهم بالكذب ولكن حاشا لله أن يترك أولياءه يقول : فجلى الله لي بيت المقدس فصرت أنظر إليه وأصفه لهم باباً بابا وموضعاً موضعا.
تحدث الدكتور مصطفى محمود -رحمه الله -عن هذه الحادثة “الإسراء والمعراج” وكيف كان كرم النبي محمد وتواضعه فقد صعد للسماء السبعة حتى وصل سدرة المنتهى وتحدث للأنبياء في مكانة عظيمة ورفعة لم يصل إليها بشر مثله وعندما عاد كان يَفْلي ثَوبَه، ويَحلُبُ شاتَه، ويَخدُمُ نَفْسَه بنفسه، ويعامل أصحابه باللطف ويصبر على من يجادله أى تواضع هذا !
فإن هذا درس لكل صاحب هم و قلب مكلوم ألا يلتفت قلبه إلا إلى الله رسول الله فقد كان النبي أكثر الناس ابتلاءا في كل مراحل حياته في الصغر، والكبر، والكهولة، وفي حال الاستضعاف، وحال الأمن والتمكين، وفي خاصة نفسه، وفي أقرب الناس إليه، وفيما يحيط به، تتراءى صور الابتلاء، فأُبتلي باليتم في صغره، وابتلي بالفقر والفراق والحزن وموت أبناءه القاسم وعبد الله وإبراهيم ، على الرغم من كل هذه الابتلاءات كان يواجهها النبي باللجوء لله والصبر فكان أكثر الناس ابتسامة وتفاؤل ، فالإنسان محدود الأفق” إذا مسه الشر جزوعا و إذا مسه الخير منوعا إلا المصلين ” فالإنسان ما بقي حيا لن تخلو حياته من الإبتلاءات ولن ينفع الإنسان تذمره وشكواه فأرضى يا ابن آدم يسهل عليك العبور,
الله سبحانه وتعالى يقول :﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾
إن الله جلت حكمته جعل الدنيا دار التواء ، ولم يجعلها دار استواء ، جعلها منزل ترح ، ولم يجعلها دار فرح ، الآخرة دار الفرح ، الآخرة دار العطاء ، الآخرة دار الإكرام ، الآخرة دار التشريف ، الآخرة دار الراحة ، إن الله جعل الدنيا دار التواء ، ولم يجعلها دار استواء ، جعلها دار ترح ، ولم يجعلها دار فرح ، بحكمته المطلقة ، جعل الحرمان في الدنيا لعطاء الآخرة سبباً ، وجعل بلاء الدنيا أيضاً سبباً لعطاء الآخرة ، فالعاقل الحصيف لا يفرح لرخاء ، ولا يحزن لشقاء .