جحا صاحب النوادر الطريفة والأخبار العجيبة

جحا الإنسان الذي أضحك الملايين بنوادره الطريفة وأخباره العجيبة التي تناقلتها الألسن على مر العصور..
أصبح اليوم في ذاكرة الناس “جحا” مجرد شخصية خرافيّة، إلا أن المعاجم وكتب التراجم والأدب ورجال الحديث تبين لنا أن جُحا شخصية حقيقيّة لها تاريخها العريق، وماضيها المشرق الذي غَفِل عنه الأكثرون؛ نتيجة ما نُسِب إليه من النوادر والطرائف التي كرّسته رمزًا للحماقة والتغفيل.
جحا في الأساطير المختلفة
وقد قيل في أصل جحا إنه نصر الدّين التركيّ، كما يُقال إنه أبو الغصن العربي الفزاري، وقيل أيضاً إن جحا هو أحد أصحاب الكرامات الذين يستتروا خلف البلاهة، وقد ورد عن الجاحظ أن إسم جحا هو نوح وكنيته أبو الغصن وأن عمره قد تجاوز 100 عام، وفي كتاب أخبار الحمقى والمغفلين لابن الجوزي ورد أن جحا هو مكي بن إبراهيم، وورد في كتاب القطب الشعرانيّ وعنوانه المطهر للقلب والفؤاد أن عبد الله جحا هو من التابعين الذين غلبت عليهم صفاء السريرة، ويجب على من يسمع منه الحكايات المضحكة والفكاهات ألّا يسخر منه وإنما يطلب من الله أن ينفعه ببركاته.
شخصيات عرفت باسم جحا
-
في تركيا
هو الشيخ نصر الدين خوجة
كان قاضياً وفقيهاً ومعلماً، وولد في سنة 605هـ في قرية صغيرة تدعى خورتو ودرس العلم فيها، كما تولى القضاء في بعض المناطق القريبة منها، وفي سيوري مصار تولى الخطابة، وعمل أيضاً في التدريس فعُيّن إماماً ومدرّساً في مجموعةٍ من المدن وكان تلاميذه يحبونه ويقبلون على مجالسه.
وتميّز جحا بأنّه واعظ تأتي مواعظه على هيئة نوادر وطرائف ونكات، وقيل إنه عمل في حراثة الأرض وكان يحتطب بيديه، ومن صفاته التي عُرِفَ بها الزهد والعفة، وكان منزله محطةً للزوار من الغرباء والفلاحين، كما كان جريئاً في دعوته يدعو الحُكّام والأمراء والقضاة إلى السير في طريق الشرع، وكان يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المُنكر، ومن أشهر مواقفه وقوفه في وجه تيمور لنك وإنقاذ الكثير من النّاس من جبروته في مجموعة من المواقف، أمّا وفاته فكانت سنة 683هـ.
-
في الحكايات العربية (الإسلامية)
هو أبو الغصن دُجين الفزاري
هو عبد الله أو نوح أو دُجين أبو الغصن بن ثابت اليربوعي البصري ويلقب بجُحا أو جُحى، ويعود نسب أبي الغصن إلى قبيلة فزازة العربيّة، ووُلِدَ سنة 60هـ أي في القسم الثّاني من القرن الأوّل الهجري، فعاصر الدولة الأموي وبقى حياً حتى خلافة المهدي، وقضى أكثر سنوات حياته التي تزيد على التسعين عاماً في الكوفة. ، وهو أوّل من حكى عنه الجاحظ في كتابه القول في البغال؛ حيث ذكر نوادر كان جحا بطلها، أمّا وفاته فكانت سنة 160هـ في عهد حُكم أبي جعفر المنصور.
وورد عن الإمام الذهبي أن أبا الغصن هو صاحب النوادر المعروف باسم دُجين بن ثابت اليربوعيّ البصريّ، كما قال عبّاد بن صهيب: (حدثنا أبو الغصن جحا وما رأيت أعقل منه)، أمّا ابن حجر العسقلاني ففرّق بين نوح الذي عاش في الكوفة ودُجين المحدّث، وتشير مجموعة من المصادر العربيّة القديمة إلى أن دُجين المشار له بجحا هو صاحب بعض من الفكاهات والنوادر التي نُسبت إليه، وليست جميعها حيث إن بعضها الآخر مكذوب عليه، كما ورد أنه كان يُضرب به المثل في الحماقة والغفلة.
وقد اختلف فيه الرواة والمؤرخون، فتصوّره البعض مجنوناً وقال البعض الآخرإنه رجل بكامل عقله ووعيه وإنه يتحامق ويدّعي الغفلة ليستطيع عرض آرائه النقدية والسخرية من الحكام بحرية تامة.
وما إن شاعت حكاياته وقصصه الطريفة حتى تهافتت عليه الشعوب.
فكل شعب وكل أمة على صلة بالدولة الإسلامية صمّمت لها (جحا) خاصاً بها، بتحوير الأصل العربي بما يتـلاءم مع طبيعة تلك الأمة وظروف الحياة الاجتماعية فيها.
حقيقة نوادر جحا
إن من الأمور الثابتة قطعاً في حقيقة نوادر جحا أنها لا يمكن أن تصدرَ عن شخصٍ واحد فقط؛ بسبب أن بعضها يتحدث عن أشخاصٍ في صدر الإسلام، ومنها يتحدث عن أشخاص من العصر العباسي وخصوصاً في عهد الخليفة المنصور، كما أن مجموعة من النوادر تتحدث عن عصر تيمورلنك وما تلاه من العصور الأخرى، ومن الأسباب الأخرى التي تستدعي التفكر في النوادر ومصدرها هو اختلاف الشخصيات التي صدرت عنها، فمثلاً هناك بعض المواقف التي يظهرُ جحا فيها مغفلاً، ويظهر بمواقف أُخرى ذكياً فطناً.
ويكون في بعضٍ منها ساخراً يكشف عن الغفلة والبلاهة، كما لا يمكن أن تصدر المواقف والنوادر المُتعدّدة المنسوبة إلى جحا من شخص واحد؛ بسبب تباعد الظروف المكانيّة والبيئات التي تنتمي لها، والمختلفة عن بعضها في العادات والتقاليد، فبعض من النوادر كانت روايتها عن بغداد، ومنها ما رُوي عن فارس، وأُخرى كانت عن الحجاز أو عن آسيا الصغرى، وغيرها من البلدان الشرقيّة.
من أشهر تلك النوادر : جحا والحمار، النقود للضفادع، رجله غير متوضئة، جحا والمهر، مع العميان وغيرها..
لكل بلد جحا خاص بها
ومع أن الأسماء تختلف وشكل الحكايات ربما يختلف أيضاً، ولكن شخصية (جحا) المغفّل الأحمق وحماره هي هي لم تتغيّر. فقد اقتبست شخصية جحا وأصبح لكل دولة جحا خاصا بها. هكذا نجد شخصية (نصر الدين خوجه) في تركيا، و(ملة نصر الدين) في إيران، (غابروفو)جحا بلغاريا المحبوب، (أرتين) جحا أرمنيا صاحب اللسان السليط، و(آرو) جحا يوغسلافيا المغفل.
وبعودة بسيطة إلى التاريخ تكتشف أن كل هذه الشخصيات في تلك الأمم قد ولدت واشتهرت في القرون المتأخرة، وهناك شك فى وجودها أصلاً، فأغلب المؤرخين يعتقدون أنها شخصيات أسطورية لا وجود لها في الواقع.
وقد اشتهرت حكاياتها في القرون الستة الأخيرة، وربما أشهرها وأقدمها هو (الخوجة نصر الدين) التركي الذي عاصر تيمورلنك في القرن الرابع عشر، كما يتضح ذلك من حكاياته الطريفة مع هذا الطاغية المغولي.
ومهما اختلفت الأسماء حول جحا وأصله فقد عُرف عن جحا بين معاصريه بالطيبة والتسامح الشديدين، وأنه كان بالغ الذكاء، وتنطوي شخصيته على قدر كبير من السخرية والفكاهة، ووسيلته إلى ذلك ادّعاء الحمق والجنون أو بالأحرى التحامق في مواجهته لصغائر الأمور اليومية، استعلاء منه على حياة فانية.